إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
14245 مشاهدة
ابن ماجه وعنايته بالحديث

ومنهم ابن ماجه ؛ محمد بن يزيد بن ماجه في درجة البخاري ومسلم يروي عن مشائخهما. له كتاب السنن، ابتدأه بمقدمة في العقيدة كما فعل مسلم وذكر أمور العقيدة، وذكر ما يتعلق بها، وبعد ذلك أتبعه بالأحكام؛ بالصلاة والزكاة وما بعدها؛ إلا أنه -رحمه الله- روى أحاديث ضعيفة، وروى عن رجال فيهم ضعف، ولكن هو من الأئمة الحفاظ. يدل على ذلك اعتناؤه بكتابه حيث رواها بالأحاديث، وحيث ترجم لها، وحيث رتبها ترتيبا بليغا؛ فجعله العلماء هو الرابع من أهل السنن، فصار أصحاب السنن أربعة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه هؤلاء أصحاب السنن يضاف إليهم البخاري ومسلم فيكونون ستة وهم أصحاب الكتب الستة الذين اعتنوا بجمع السنة، وصارت كتبهم فيما يتعلق بالسنة وما يتعلق بالأحاديث إلا أن البخاري -رحمه الله- في كتابه كثير من الآثار الموقوفة، وأما غيره؛ الخمسة الباقون فإنهم محضوها للأحاديث المرفوعة.
كذلك أضاف بعضهم إلى هذه الكتب موطأ الإمام مالك ولكن ذكرنا أنه ذكر فيه كثيرا من رأيه، ومن الكلام الذي لا يتعلق بالأحاديث، ولكنه يتعلق بالأحكام.
ألحق بها بعضهم سنن الدارمي وهو شيخ مسلم يروي عنه كثيرا، وسننه موجودة مطبوعة محققة؛ ولكن كتابه يشتمل على كثير من الآثار (من كلام الصحابة، وكلام التابعين) فلذلك لم يكن من الكتب الحديثية التي هي خالصة، ولكن فيه أحاديث كثيرة. هو أيضا بدأ كتابه بمقدمة في العقيدة. يعني: ابتدأ بالعقيدة لأهميتها كما فعل مسلم وكما فعل ابن ماجه .